اثنين, 2012/07/16 — م. وائل حسن -أب...
يُعتبر التدوين هذه الأيام من أهم الوسائل التعليمية و طرق تناقل الخبرات علي الإطلاق، و لذلك أوليه اهتماماً كبيراً جداً سواءٌ بالمشاركة الفعلية أو بالكتابة عنه و عن كيفية الارتقاء بمستواه، و لكني اليوم أريد التحدث عن مدونين من نوعٍ آخر أكرهه بعنف.
فقد مررتُ منذ فترةٍ بعيدةٍ علي بعض المدونات العربية لأري حال التدوين و ربما أجد مدوناتٍ جيدةٍ لأتابعها فيما بعد (بالطبع للمدونات التقنية الأفضلية هنا)، و كذا فعلتُ هذا الأمر في الأيام الماضية لذات الهدف. و لكن الحقيقة أنني صُدمتُ جداً من حال التدوين و المدونين العرب في المرات القديمة و الحديثة علي حدٍ سواء ! و ليس الأمر أنني وجدتُ أولئك المدونين يعتنقون أفكاراً تخالف ما أعتقده و لذلك ساءني حالهم، بل المصيبة تأتي من الضعف الشديد في نوعية المواضيع المطروحة و الأسلوب الذي كُتِبَتْ به و غيرها من الأشياء التي تُعتبر من أبجديات عالم التدوين (بل عالم الكتابة عموماً)!
ولنبدأ بالتعريف الذي يضعه المدون لنفسه ليتعرف القراء عليه من خلاله، و دعوني أخبركم أن المدونات التي أتابعها (كلها تقريباً) وضع أصحابها تعريفاً محدداً واضحاً لأنفسهم، فيقول الواحد منهم أن اسمه كذا، و مهنته كذا، و هواياته كذا و كذا.
فإذا نظرنا للجانب الآخر فسنري أن أغلب المدونين (من النوعية التي تثير حنقي) يضعون تعريفاتٍ تصيبك بالغيظ و تكاد بسببها تأكل ذراع كاتبها !، فتجد الواحد منهم يقول لك أنه "ضبابٌ يتلاشي" أو "سحابةٌ تطير" أو "عصفورٌ مصابٌ بالتهاب الزائدة الدودية"، و أتصور بعين الخيال الواحد منهم يكاد يبكي إعجاباً بشاعريته و هو يكتب هذا الكلام !لن أخوض في السبب الذي يجعلهم يكتبون هكذا في تعريف أنفسهم، و لكني أريد أن أوضح أن ذلك القسم موجودٌ ليجعل القراء يتعرفون عليك ليحسوا أنهم يتعاملون مع إنسانٍ من لحمٍ و دمٍ لا مع ماكينة مقالات، فيا عافاك الله: ما وجه الحكمة في التهويمات التي كتبتها لهم ؟! صحيحٌ أن هناك من يكتب مثل هذه التعريفات بينما تكون مدونته من النوع الجميل جداً، لكنه يكون من الشعراء أو الأدباء مثلاً و غلبه سلطان الشعر أو الأدب حتي في تعريف نفسه، و لكن حتي في هذه الحالة يظل الأمر سيئاً جداً.
ثم نأتي للمواضيع لنجد العجب العجاب؛ فأغلب المواضيع من نوعية:
"حلق الطائر الوردي فوق السحاب ليدرك فجأةً أنه لا أجنحة له، ليقع فينقذه قلبي المتألم ! "
يا سلااااااااااااام، ما هذا إن لم يكن أضغاث أحلام المراهقات ؟!
المصيبة أنك تجد وسط كل ذلك السخام تدوينةً أو اثنتين جميلتين و لهما معني، و لكنهما بطبيعة الحال لا يكفيان لإقناعك بمتابعة كتابات ذلك المدون علي الإطلاق فيُضيع قبيحُه حسنَه.و عامةً أنا اعتدتُ أن هذا النوع من المدونين يتعامل مع مدونته كما تتعامل الفتاة المراهقة مع مذكرتها الشخصية، فلا تكتب فيها إلا عن "طيور النورس التي تحلق في قلبي الحزين"، أو "زرقة البحر التي تجعلني أطير في عالمٍ من البنفسج".
لكن الطامة الكبري تأتي من ناحية التعليقات؛ فتجد أن المدونات التي تقدم الفائدة و خلاصة العلم و المقالات التي تثير الخيال و التفكير لا أحد يعلق علي مواضيعها إلا من رحم الله تعالي ! و ربما تجد المدونة من هذا النوع يزورها عشرات الآلاف لكن الكل يشاهد ثم ينصرف إلي حال سبيله لا يلوي علي شيء.
بينما تنظر لمدونة العصفور ذي الزائدة الدودية فتجد التعليقات كالمطر و كأنك دخلت الفيسبوك لا مدونة ! و أغلب التعليقات بالطبع توضح للمدون كم هو رائعٌ و حالمٌ لأنه يهتم بالعصافير المصابة بالزائدة الدودية !و بينما أشد شعر رأسي من المنطق المقلوب تجد المدون لا يكلف نفسه حتي عناء الرد علي ذلك المديح المستمر فيه، بينما يجف ريق الواحد منا من التنبيه علي بقية المدونين الحقيقيين أن يردوا علي التعليقات رغم ما نعلمه من انشغالهم الشديد و عدم تفرغهم للرد علي كل تعليق.
في النهاية بالطبع لا أنسي أن أذكر لك سِمات themes و أشكال تلك المدونات، فالمدونات التي أتابعها إما أن تكون ذات سمةٍ بسيطةٍ أو بألوانٍ هادئةٍ مريحة (ربما تكون مملةً لكنها غير مزعجة في كل الأحوال)، بالإضافة للخطوط الواضحة و الأسلوب السليم لغوياً. بينما تجد النوع الآخر من المدونات ألوانه فاقعة و خطوطه غريبةٌ تؤذي العين، و أسلوبه مضعضعٌ لغوياً في معظم الاحيان.
الحق أن حال التدوين (أو علي الأقل ذلك الجزء الذي رأيته منه) لا يرضيني مطلقاً، و أحس بالأسي الشديد لما وصفتُه آنفاً. لهذا تجدونني أتمسك بأي مدونةٍ جيدةٍ أقابلها علي الشبكة و أقرأ مواضيعها بنهمٍ و تفاعل، فلا يحس بقيمة الشيء إلا من بحث عنه فلم يجد منه إلا القليل بعد عناء. و لله الأمر من قبل و من بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق